يوم ممطر
في طريق العودة إلى المدرسة ساحت دموع السحاب رذاذا خفيفا ما لبث أن اشتدّ و قوي فإذا المياه تنهمر غزيرة مدرارا كأنـّها تتدفـّق من أفواه القرب. سار بشير في الشارع المقفر مواجها ريحا تصفع وجهه و تلسع ســـــــــــاقيه و تسرّبت المياه تحت معطفه فاقشعرّ جلده و ارتعش جسمه . انطلق الصبيّ مهرولا حانيا ظهره دافنا رأسه بين كتفيه و من حين لآخر كان يخرج منديلا يمسح به أنفه و قد استحال نبعا لا ينضب مائه .بغتة ، وقع الفتى الصغير في بركة موحلة فتبللت ثيابه و اتـّسخت ميدعته و تطاير الوحل رذاذا كسى وجهـــه و شعره . نهض الولد متثاقلا و لملم أغراضه و حثّ الخطى باتجاه منزله.
وصل بشير إلى البيت يقطر ماء من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه . فطرق الصغير الباب و عندما فتحت له أمـّه وجدته في حالة يرثى لها أسرعت الأمّ الرءوم فأدخلته إلى غرفته و غيرت ثيابه المبللة و نشفت له شعره بمنشفة ناعمة و جففته بمجفف الشعر و أجلسته قرب المدفأة و دثرته بغطاء صوفيّ سميك و قدّمت له مشروبا ساخنا فشعر جسمه المقرور بالدفء و توردت خدوده و عاد إلى سالف نشاطه.